Sunday, August 17, 2008

صواب إبليس


سحر الكلمة وعظمة الموقف تلك الاشياء التي تخلب العقول وتخترق القلوب بدون اي مقاومة لتستقر في لبها لا يمكن اخراجها الا بالدم

كثير من الكلمات والعبارات الرنانة الساحرة التي سمعناها ونسمعها وسنظل نسمعها ونؤمن بها ونُشعر فيها (إن لها لحلاوة وإن عليها لطلاوة ) وهي في الحقيقة ( صبر وإن طعمها لمر وإن لونها لأسود ) ولكن الحواس طمست والعقول أسرت وصدق من قال إن من البيان لسحرا.

كثير من المواقف التي نمر بها ولا نستطيع أن نفعل شيئا امامها سوي أن ننحني لفاعلها تقديرا واحتراما وهو في الحقيقة لا يستحق منا سوي البصق علي الوجه والركل بالارجل

نعم نفعل ذلك وتؤثرنا الكلمة ويبهرنا الموقف، وقد تكون هذه الكلمة وتلك المواقف وهذه القضايا هي في ذاتها سامية نبيلة تغري الباحث فينا عن الحقيقة قبل العامي منا وتستميل قلبه وتعطل عقله وتطمس بصره مع ما يعانيه ويواجهه من ضغوط ناتجة عن مجتمع جاهل وحكومات دكتاتورية وسياسات فاسدة

قد يكون ما كتبته في هذة المقدمة لم يوضح الفكرة ولكن دعونا نعرض بعضا من الامثلة ونحاول شرحها علها تفصح عما لم استطع أن اوضحه فيما سبق.

الحـرية

تلك الكلمة التي تُكون احد اركان منظومة القيم الاساسية وهي العدل الحرية المساواة انها فكرة سامية عند النظر اليها مجردة ، وليس هناك عقل واعٍ ناضج نظيف الا ويتمنها ويحلم بها ، ولكن الحرية المنشورة في صحفنا والمذاعة في وسائل اعلامنا والتي تحملها افكار الكثير من كتابنا ليست هي الحرية الحقيقة الصحيحة التي نتوق اليها ونحلم بها لتصلح حالنا وتفك اسرنا وتخرجنا من الظلمات الي النور، انها حرية عكس الفطرة البشرية السليمة وضد الاصول الدينية الصحيحة

إنها كلمة اقتطعناها من سياقها واستوردناها من غير ارضنا وجئنا بها لنغرسها في مناخ غير مناخها وارض مختلفة عن ارضها فلم تنبت سوي شجرة فروعها شوك وطلعها كأنه رؤوس الشياطين

كثيرة هي الامثلة التي يمكن ان تساق في مثل هذا الموضع لتوضح المعني وتبرهن علي الفكرة ولكن المشكلة تزداد سوءاً عندما يقوم بعض الافراد المعروف عنهم الصلاح والاصلاح بكساء هذة المعاني وتلك المواقف لباس التقديس والتنزيه ويروجون لها ويدافعون عنها ويدعون اليها ، نعم انهم دعاة علي ابواب جهنم يملكون الكلمة وينعقون بأقوالهم واطمئنوا لنتائجهم ونسوا ان للزمن أقولاً غير أقوالهم ، ونتائج غير نتائجهم

إن صواب إبليس في نصيحته لأبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ لم يحوله إلى ملاك او رسول كريم.


إن المسلم يجب أن ينظر إلى أبعد من أرنبة أنفه ، يقرأ التاريخ وما فيه من أحداث دون ان يقتطعها من اصلها وظروف حدوثها وطبيعة فاعلها وذلك لكي يقف علي حقيقتها كاملة غير مبتورة او مشوهة
ولنضرب هنا مثالا من التاريخ فإن واقعة صفين بين علي ـ رضي الله عنه ـ ومن معه من أهل العراق وبين معاوية ـ رضي الله عنه ـ ومن معه من أهل الشام هي خير مثال يبرهن علي الفكرة، يحكي التاريخ أن القتل لما وقع في أهل الشام وكاد علي ـ رضي الله عنه ـ ومن معه ينتصرون وتحسم المسألة لهم، تدخل عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ بفكرة تبدو في ظاهرها لمن يحمل في قلبه آثارة من إيمان صائبة واضحة، ألا وهي تحكيم القرآن فيما بينهم، فقال لمعاوية‏:‏ إني قد رأيت أمراً لا يزيدنا هذه الساعة إلا اجتماعاً ولا يزيدهم إلا فرقة، أرى أن نرفع المصاحف وندعوهم إليها، فإن أجابوا كلهم إلى ذلك بَرَدَ القتال، وإن اختلفوا فيما بينهم فمن قائل نجيبهم، وقائل لا نجيبهم، فشلوا وذهب ريحهم‏.‏
فحصل ما يسمى بمسألة التحكيم، تلك المسألة التي كان من عواقبها خروج الخوارج في قوة عسكرية وازدياد الفرقة بين المسلمين. ففكرة تحكيم القرآن كفكرة مجرده هي فكرة طيبة، ذات طابع إيماني، والنصوص تدل عليها وتحذر من مخالفتها، ولكن عند النظر في الظروف والملابسات والقرائن وطبيعة المكان والزمان الذي نشأت فيه وطبيعة قائلها، يتبين للناظر أن الهدف منها هو وقف القتل في معسكر اصحاب هذه الفكرة، وإعطاء الفرصة في ترتيب أحوالهم، وإيقاع الفرقة في معسكر الخصم، ولم يكن الهدف الأساسي عند قائلها الوصول إلى حل نهائي يفصل في الأزمة ، بدليل ما أعقب ذلك من إفشال للتحكيم . عفا الله عن الجميع.

لست هنا في موقف الحاكم علي موقف عمرو ابن العاص او معاوية او علي رضي الله عنهم جميعا ولكنه استنتاج قد يخطئ وقد يصيب ولكن يكفينا ان نستدل بمقولة سيدنا علي حين حدثت هذة الواقعة ورفعت المصاحف ورفع شعار (لا حكم الا للقرآن) فقال رضي الله عنه (انه حق يراد به باطل).

أخر ما أريد أن أختم به هذة الكلمات ان سبب قبولنا لهذة الاقوال وتصديقنا لهذة المواقف ليس فقط سحر الكلمة او طبيعة الموقف او تأثير فاعله ولكن السبب الرئيسي الحقيقي هو أننا قد أُصبنا بالكسل العقلي والنفسي، فأصبحنا نحب أن نأخذ الأفكار جاهزة معلبة لنتداولها فيما بيننا معتقدين فيها مؤمنين بها مخلصين لها دون ان نجهد انفسنا بحثا عن حقيقتها

21 comments:

عايش... ولكن !!!! said...

بجد الله عليك
صحيح احنا خلاص مبقيناش بنحاول نجهد نفسنا بالبحث عن اى شىء عاوزين كل شىء يبقى جاهز قدامنا وناخده بدون اى عناء
وبصراحه انا اول واحد من الناس دى
بس مش عارف الكسل ولا ايه بالظبط
بس احيانا بلاقى نفسى محتاج اقرا واسمع واهم حاجه لما اقرا او اسمع يكون لحد انا واثق فيه

تحياتى
علاء

صاحب المضيفة said...

ربنا يكرمك للخاطرة الطيبة واسلوب العرض الطيب


بلغنا ربنا رمضان على خير وتقوى وبر وايمان


تحياتي

Anonymous said...

انا اتفق معك فيما قلت نحن حتى لا نكلف انفسنا بالبحث عن حقيقتها ولكن حتى عن معناها
لقد امتنعت عن قرأة مواقف انيس منصور لأني لا اريد ان يفرض علي احدا قواعد وحكما مسبقة
لك عميق محبتي وتحياتي
اخوك : مصطفي

mohamed ghalia said...

ربنا يهدينا ويصلح حالنا
كل سنة وإنتا طيب
دمت بود
تحياتى

اسلام صديق said...

سعدت جدا بزيارتك لمدونتي



وسعدت اكثر بزيارتي لمدونتك



كنت اود ان اتعرف علي هذه المدونة من زمان



اتفق معك تماما


بالفعل الحق قد يخرج من فم ابليس ولكن ذلك لا يعني ان ابليس اصبح مرجعية لنا

وايضا الباطل قد يخرج من فم صاحب الحق وهذا ايضا لايعتبر مرجعية

انما تصبح المرجعية

هي الحق ذاته


اتمني التواصل

اخوك اسلام صديق

PAKAUKO@YAHOO.COM

ghoneem said...

السلام عليكم

كل عام وانت بخير
رمضان كريم

ربنا يتقبل منك كلمات ماشاء الله قيمة وتحمل قيمة

حبيت أشكرك جدا جدا علي تواصلك ومرورك وتعليقك الطيب وكلماتك الرطبة الجميلة

انقطاع عن التدوين الي ان ينتهي رمضان
غفر الله لنا ولك وتاب علينا ووفقنا ونظر الينا

تحياتي وخالص دعائي

بالتوفيق...................

Anonymous said...

enta 3ayez eh fe el akher ya3ny
bla bla bla

MKSARAT - SAYED SAAD said...

صباح الخير الاول
وانا اقرا البوست كنت سوف اعلق بكلمات كثيرة لكن عندما وصلت الي نهاية البوست وجدت رأيك
افضل وعبر ما كنت انوية فأكتفيت به
(أننا قد أُصبنا بالكسل العقلي والنفسي، فأصبحنا نحب أن نأخذ الأفكار جاهزة معلبة لنتداولها فيما بيننا معتقدين فيها مؤمنين بها مخلصين لها دون ان نجهد انفسنا بحثا عن حقيقتها)
اتمنى لك التوفيق
سيد سعد

AAAAAAAAAAAAAAAA said...

أنا اريد أن أهنئك على الوضوعات التي تثيرها عجوز باشا- بالمصري- الموضوع فعلا حساس وهو أحد الأسباب الخطيرة التي أدت بمجتمعاتنا إلى التشرذم والدوران في حلقة الجهل الموفي بأهله إلى الهلاك، والنموذج الذي سقته من التاريخ يضرب مثلا حيا على الفكرة ويوضحها في ذهن القارئ، على أني أعتقد أن مجال المراجعات على توجهاتنا الفكرية يجب أن يشمل كل ما نقوم به -كعرب- منذ قيامنا في الصباح وحتى النوم، أنا أرى الصورة قاتمة، كل شيئ حولنا خطأ، وعندما وجدنا قلما جريئا يرصد ويصور ويعلق ويعالج مثل مجدي الشافعي في ورايته المصورة بعنوان"مترو" وجدنا الأمن يصادرها ويقف لها بالمرصاد، ونتيجة عدم قدرة الناس على إحداث وقفة ، هناك مشاعر وأفكار بتتغذى وبتكبر جوه الناس، الوضع هنا إن الأفكار والمشاعر اللى بيكبروها وبينموها جوا الناس كلها مشاعر وآراء سلبية فردية، بتخلي الواحد ميفكرش أبعد من الكام متر إللى حواليه. يعنى لما البنت إللى تبلغ عن حالة غش يمنعوها من دخول الإمتحان، ولما إللي يبلغ عن حالة إحتكار يعاقب، وإللى بلغت عن أكياس الدم الملوثة أيضا عانت من ذلك، وبالتالي لا حل إلا ما كنت ذهبت إليه من قبل ، وهو ما نفهمه من قوله تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وقد يضيق المقام عن تفسير الآية الكريمة هنا ولكن يمكننا الرجوع إلى تفسيرها لنفهم أن تفيير الذات قد يحمل معنى جمعيا
مع حبي وتقديري
حـ . حـ

Ahmed El-Agouz said...

اولا اعتذر للجميع عن التاخر في الرد وذلك بسبب ظروف السفر

Ahmed El-Agouz said...

الاستاذ علاء (عايش ولكن)ء
اولا سعدت جدا بتعليقك والف مبروك لاخوك وعقبالك ان شاء الله قريبا
نعم يا اخي انه نوع من الكسل وعدم الرغبة في بذل الجهد للوصول الي الحقيقة قد يكون نوع من اللامبالاة قد تكون الاحساس بعدم وجود فائدة من رؤية الحقيقة بمعني اخر ماذا سيفيد لو عرفتها فلن استطيع حلها مثلا
سعدت بتعليقك

Ahmed El-Agouz said...

صاحب المضيفة
اسنحلنا نضيفك احنا ونبيع المياه في حارة السقاين
متشكر جدا علي المجاملة الرقيقة والكلمات الطيبة
وتقبل الله دعائك

جزيت كل خير

Ahmed El-Agouz said...

مصطفي ريان
شرفت المدونة ويارب ما تكون اخر الزيارت
بخصوص امتناعك عن قرات مواقف انيس منصور
يقولون ان الشخص عندما تقراء لشخص اخر فانه يفتح عقله لهذا الكاتب ليخط فيه ما يريد ليس الهدف هو الامتناع عن القراءة ولكن الهدف هو اختيار لمن سنقراء وكيفية القراءة واعمال العقل فيما نقراء
تحياتي

Ahmed El-Agouz said...

استاذ محمد
متشكر لمرورك وكل عام وانت بالف خير
وربنا يتقبل دعائك ويوفقنا لما يحبه ويرضاه

مرة اخري سعدت بزيارتك زاتمني الا تكون اخر الزيارت

Ahmed El-Agouz said...

الافعاني
نورتني علي مدونتي المتواضعة بصراحة تعليقك لا يحتاج لتعليق فقط عندما قراته شعرت باني اريد ان الغي البوست واضع تعليقك مكانه


بالفعل الحق قد يخرج من فم ابليس ولكن ذلك لا يعني ان ابليس اصبح مرجعية لنا

وايضا الباطل قد يخرج من فم صاحب الحق وهذا ايضا لايعتبر مرجعية

انما تصبح المرجعية

هي الحق ذاته

يشرفني ان نتواصل دائما ونصبح اصدقاء الي الابد

اخوك العجوز

Ahmed El-Agouz said...

غنيم باشا شرفتنا
كل عام وانت بخير

وترجع بالسلامة وتقبل الله منا ومنك
العجوز

Ahmed El-Agouz said...

رجل المكسرات سيد سعد
مساء الخير
ونورتني ويشرفني تعلقيقك علي البوست ومتعنا بتصميماتك

متقطعش الزيارات

Ahmed El-Agouz said...

يونس عرسنا الف الف مبروك
انا عاوز اجي ابركلك في الخير

Ahmed El-Agouz said...

دكتور حسام تعليقك صراحة يحتاج لجلسة من جلستنا الطويلة اتمني ان يكون في وقتك متسع لذلك
العجوز

ضــى القمــر said...

كلمات قدمت بأطار من النصيحه والنقد الهام

عن جد موضوع هام ورائع جدا يا اخى

تقبل تواجدى المتواضع الآن ..

فليس لدى ما يقال تعقيبا على روعة ما كتب .

أجمل تحيه تقدير لك

Ahmed El-Agouz said...

ضي القمر
سعدت جدا بزيارتك لمدونتي المتواضعة واتمني الا تكون اخر الزيارات

ومتشكر علي هذة المجاملة والثناء الطيب

دمت بكل خير
العجوز