Thursday, August 28, 2008

يسُوع


نزلت السيدة العذراء، حاملة يسُوع بين ذراعيها، إلي الارض لزيارة دير . وقف الرهبان، شديدي الفخر، صفا لتكريمها. ألقي أحدهم قصائد ، وأخرج لها آخر كتابا مقدسّا مزخرفا، وعدد آخر أمامها أسماء القديسين
في آخر الصف وقف راهب متواضع لم تتح له الدراسة مع حكماء زمانه، كان ابواه من البسطاء العاملين في السيرك. عندما وصل دوره أراد الآخرون إنهاء مظاهر التكريم خوفا من الإساءة إلي صورة الدير، ولكنه أراد هو أيضا إظهار حبه للعذراء، فأخرج من جيبه، محرجا، وشاعرا بنظرة إخوته المستهجنة، بضعَ برتقالات واخذ يرمي بها في الجو ويلتقتها مثلما علمه أبواه

عندها فقط ضحك يسوع، وصفق بيديه فرحا، مدت العذراء يَديها إلي ذلك الراهب وعهدت إليه بطفلها لبعض الوقت

من كتاب "مكتوب"ـ

Sunday, August 17, 2008

صواب إبليس


سحر الكلمة وعظمة الموقف تلك الاشياء التي تخلب العقول وتخترق القلوب بدون اي مقاومة لتستقر في لبها لا يمكن اخراجها الا بالدم

كثير من الكلمات والعبارات الرنانة الساحرة التي سمعناها ونسمعها وسنظل نسمعها ونؤمن بها ونُشعر فيها (إن لها لحلاوة وإن عليها لطلاوة ) وهي في الحقيقة ( صبر وإن طعمها لمر وإن لونها لأسود ) ولكن الحواس طمست والعقول أسرت وصدق من قال إن من البيان لسحرا.

كثير من المواقف التي نمر بها ولا نستطيع أن نفعل شيئا امامها سوي أن ننحني لفاعلها تقديرا واحتراما وهو في الحقيقة لا يستحق منا سوي البصق علي الوجه والركل بالارجل

نعم نفعل ذلك وتؤثرنا الكلمة ويبهرنا الموقف، وقد تكون هذه الكلمة وتلك المواقف وهذه القضايا هي في ذاتها سامية نبيلة تغري الباحث فينا عن الحقيقة قبل العامي منا وتستميل قلبه وتعطل عقله وتطمس بصره مع ما يعانيه ويواجهه من ضغوط ناتجة عن مجتمع جاهل وحكومات دكتاتورية وسياسات فاسدة

قد يكون ما كتبته في هذة المقدمة لم يوضح الفكرة ولكن دعونا نعرض بعضا من الامثلة ونحاول شرحها علها تفصح عما لم استطع أن اوضحه فيما سبق.

الحـرية

تلك الكلمة التي تُكون احد اركان منظومة القيم الاساسية وهي العدل الحرية المساواة انها فكرة سامية عند النظر اليها مجردة ، وليس هناك عقل واعٍ ناضج نظيف الا ويتمنها ويحلم بها ، ولكن الحرية المنشورة في صحفنا والمذاعة في وسائل اعلامنا والتي تحملها افكار الكثير من كتابنا ليست هي الحرية الحقيقة الصحيحة التي نتوق اليها ونحلم بها لتصلح حالنا وتفك اسرنا وتخرجنا من الظلمات الي النور، انها حرية عكس الفطرة البشرية السليمة وضد الاصول الدينية الصحيحة

إنها كلمة اقتطعناها من سياقها واستوردناها من غير ارضنا وجئنا بها لنغرسها في مناخ غير مناخها وارض مختلفة عن ارضها فلم تنبت سوي شجرة فروعها شوك وطلعها كأنه رؤوس الشياطين

كثيرة هي الامثلة التي يمكن ان تساق في مثل هذا الموضع لتوضح المعني وتبرهن علي الفكرة ولكن المشكلة تزداد سوءاً عندما يقوم بعض الافراد المعروف عنهم الصلاح والاصلاح بكساء هذة المعاني وتلك المواقف لباس التقديس والتنزيه ويروجون لها ويدافعون عنها ويدعون اليها ، نعم انهم دعاة علي ابواب جهنم يملكون الكلمة وينعقون بأقوالهم واطمئنوا لنتائجهم ونسوا ان للزمن أقولاً غير أقوالهم ، ونتائج غير نتائجهم

إن صواب إبليس في نصيحته لأبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ لم يحوله إلى ملاك او رسول كريم.


إن المسلم يجب أن ينظر إلى أبعد من أرنبة أنفه ، يقرأ التاريخ وما فيه من أحداث دون ان يقتطعها من اصلها وظروف حدوثها وطبيعة فاعلها وذلك لكي يقف علي حقيقتها كاملة غير مبتورة او مشوهة
ولنضرب هنا مثالا من التاريخ فإن واقعة صفين بين علي ـ رضي الله عنه ـ ومن معه من أهل العراق وبين معاوية ـ رضي الله عنه ـ ومن معه من أهل الشام هي خير مثال يبرهن علي الفكرة، يحكي التاريخ أن القتل لما وقع في أهل الشام وكاد علي ـ رضي الله عنه ـ ومن معه ينتصرون وتحسم المسألة لهم، تدخل عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ بفكرة تبدو في ظاهرها لمن يحمل في قلبه آثارة من إيمان صائبة واضحة، ألا وهي تحكيم القرآن فيما بينهم، فقال لمعاوية‏:‏ إني قد رأيت أمراً لا يزيدنا هذه الساعة إلا اجتماعاً ولا يزيدهم إلا فرقة، أرى أن نرفع المصاحف وندعوهم إليها، فإن أجابوا كلهم إلى ذلك بَرَدَ القتال، وإن اختلفوا فيما بينهم فمن قائل نجيبهم، وقائل لا نجيبهم، فشلوا وذهب ريحهم‏.‏
فحصل ما يسمى بمسألة التحكيم، تلك المسألة التي كان من عواقبها خروج الخوارج في قوة عسكرية وازدياد الفرقة بين المسلمين. ففكرة تحكيم القرآن كفكرة مجرده هي فكرة طيبة، ذات طابع إيماني، والنصوص تدل عليها وتحذر من مخالفتها، ولكن عند النظر في الظروف والملابسات والقرائن وطبيعة المكان والزمان الذي نشأت فيه وطبيعة قائلها، يتبين للناظر أن الهدف منها هو وقف القتل في معسكر اصحاب هذه الفكرة، وإعطاء الفرصة في ترتيب أحوالهم، وإيقاع الفرقة في معسكر الخصم، ولم يكن الهدف الأساسي عند قائلها الوصول إلى حل نهائي يفصل في الأزمة ، بدليل ما أعقب ذلك من إفشال للتحكيم . عفا الله عن الجميع.

لست هنا في موقف الحاكم علي موقف عمرو ابن العاص او معاوية او علي رضي الله عنهم جميعا ولكنه استنتاج قد يخطئ وقد يصيب ولكن يكفينا ان نستدل بمقولة سيدنا علي حين حدثت هذة الواقعة ورفعت المصاحف ورفع شعار (لا حكم الا للقرآن) فقال رضي الله عنه (انه حق يراد به باطل).

أخر ما أريد أن أختم به هذة الكلمات ان سبب قبولنا لهذة الاقوال وتصديقنا لهذة المواقف ليس فقط سحر الكلمة او طبيعة الموقف او تأثير فاعله ولكن السبب الرئيسي الحقيقي هو أننا قد أُصبنا بالكسل العقلي والنفسي، فأصبحنا نحب أن نأخذ الأفكار جاهزة معلبة لنتداولها فيما بيننا معتقدين فيها مؤمنين بها مخلصين لها دون ان نجهد انفسنا بحثا عن حقيقتها